بوابة الصعيد
بوابة الصعيد

وجعلت لي الأرض مسجدا ..

حمدي رزق
الأستاذ حمدي رزق -


احتراز وجوبي، هذه السطور ليست مناهضة لبناء المساجد، وحشا لله ، لم نكن يوما ممن يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، أو سعينا يوما في خرابها، والعياذ بالله.. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر..
تقدير وزارة الأوقاف، عدد مساجد المحروسة نحو 160 ألف مسجد، منها تقريبًا 38 ألفًا و500 زاوية..
والسؤال، كم عدد الأئمة؟
حدث ولا حرج، نقص فادح يقدر بنحو 60 ألف إمام، مستوجب ملء المنابر الفارغة خشية اختطافها.
قاعدة الشيء لزوم الشيء، الإمام لزوم المسجد، من اللزوميات، مسجد بلا إمام كالبيت بلا حارس ، من يسكنه يملك أهله ، ومن يملك أهله يمتطي عقولهم بليّ عنق النصوص لما يريد ، ويغادر مربع الخطبة الموحدة، ولا يأبه بتعليمات الوزارة، ويتفلت بعضهم من فوق المنبر ويجهر بالعداء للدولة الوطنية.. بل ويستنكف الاحتفال بيوم مولده ، مولد الحبيب صلي الله عليه وسلم .
هذا بعض خشيتنا و هواجسنا المترتبة على الفجوة الرقمية بين عدد المساجد، وعدد الأئمة والدعاة والخطباء .
لم نتحدث بعد عن الزوايا المسجدية ، وتلك قضية أخرى ربما أكثر خطورة ، سيما وأن المساجد تستقطب اهتمام الوزارة بالضرورة ، وتتفق علي عمارتها المليارات ونحن في أمس الحاجة إلي مدارس ومستشفيات ، واللي يحتاجه البيت يحرم علي الجامع .
ما يعنينا، استمرارية إقامة المساجد وافتتاحها بالعشرات أسبوعيا دون توفير أئمة مؤهلين، وإذا تساءلت عن مدى حاجتنا إلى مساجد جديدة في ظل النقص الحاد والفادح في عدد الأئمة، يقولون إلا بيوت الله، وبيوت الله يعمرها أهل الخير، ولا تكلف شيئا، تقام بالجهود الذاتية وفق الموافقات الوزارية، والاشتراطات البنائية.
وماذا عن الأئمة، تلك قضية أخرى، وبين ظهرانينا من يجيد امتطاء المنابر، وخطاب العامة في الطرقات، دون تأهيل علمي أو شرعي، ويتجرأ على المنبر، ويجهر بسوء القول، ويغمز في جنب الدولة والحكومة، ويفتن الناس في الأسواق.
أخشى المنابر الخاوية، مثل "كعب أخيل"، تتسلل منها السهام النافذة إلى قلب الوطن، الجماعة الإخوانية الإرهابية تعتمد في بنائها الأساسي على المساجد، واحتلال المساجد هدف رئيس .
النقص الفادح في عدد الأئمة الرسميين يغري الذي في قلبه مرض ، الفرصة سانحة لامتطاء المنابر من قبل منسوبي هذه الجماعة و شقيقاتها من الجماعات السلفية والجهادية.
فرصة سنحت لتمدد الجماعة والجماعات الشقيقة والانتشار، والخروج من ( الكمون القسري ) إلى المنهاج الحركي، ولسان الحال، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.
أخشى خشية مشروعة، عادت حليمة اللئيمة لعادتها القديمة، لافت استمرارية إقامة المساجد (ولو بالجهود الذاتية) دون غطاء كاف من الأئمة المؤهلين دعويا.
مستوجب، قبل الموافقة على إقامة المسجد، شرط تجهيز وتأهيل الإمام، والمؤذن والعمالة المطلوبة ، عندما تعاني وزارة الأوقاف من نقص فادح في الأئمة وتحاول سد بعض النقص بمسابقات سنوية، وتفتح مساجد جديدة، وكأنها تهديها للإخوان كاملة مكملة، وتشطيب على المفتاح وفرش وتكييف.
أخشي ، وكأنها تسهم في المجهود الدعوي للجماعة الإرهابية، تهديهم مراكز جاهزة لنشر الفكر الإخواني مع خالص الشكر.
صحوة الجماعة الإرهابية أخشى من فوق المنابر في المساجد المكيفة، الجماعة تستيقظ من سبات، تتخارج من كهوفها، تودع شتائها، وتتشوق لتعويض ما فاتها.
الجماعة (الفتنة) نائمة، كامنة لعن الله من أيقظها من سباتها الشتوي، معلوم البَيَات الشتوي، نقيض السبات الصيفي عند بعض الكائنات الحية، ومثلها بعض الجماعات الإرهابية .
مصطلح البيات الشتوي المذكور أعلاه ، يعبر عن كيفية قضاء فصل الشتاء أو الانتظار حتى مرور هذا الفصل من العام، حيث تتميز هذه الفترة بالبرودة الشديدة قد تصل درجة الحرارة إلى مادون الصفر، مع نقص في الزاد الضروري للحياة، في مثل هذه الظروف، يصبح البقاء على قيد الحياة هدفا، ما يقعدها عن نشاطها الطبيعي، تدخر قواها الذاتية ليوم قريب آت، لليوم التالي.
لفتني الموقر الدكتور "محمد مختار جمعه" وزير الأوقاف السابق في تعقيبه علي مقال الأربعاء الماضي (مخاتلة نهاية الإخوان ) إلى نزوع الجماعة الإرهابية إلي الكمون القسري، وهذا لن يستمر طويلا، والزعم بموتهم وتصديق هذا الزعم من قبل البعض سيما النخب، وترويجه مجتمعيا، يمثل خطورة بالغة على الأمن القومي .
يقرر الدكتور جمعه أن الجماعة الإرهابية تستجمع حاليا قواها الحية مجتمعيا، وتتساند، وتعيد إحياء لحمتها، زيجات، ومصاهرات، وعلاقات عمل، وتتجمع في حلقات مغلقة ، تتمايز مجددا، استعدادا لمرحلة مابعد الكمون القسري.
ودليلنا، قبل السابع من أكتوبر، كان منحنى الجماعة الارهابية هابط، وحسب "مركز تريندز" للبحوث والاستشارات (دبي) حدث انخفاض كبير في مؤشر القوة العالمية لجماعة الإخوان، حيث انخفض تأثير الجماعة من 64 بالمئة في عام 2021، إلى 49.3 بالمئة في عام 2022، وإلى 48 بالمئة في عام 2023.
أحداث 7 أكتوبر في غزة كانت مثل ( قبلة الحياة ) لإخوان الشيطان، عادت الجماعة سيرتها الأولى، وعمدت لإعادة إحياء خطابها العنيف، وتعزيز عمليات التجنيد، والمساجد حقول التجنيد المفتوحة .
التنظيم الدولي لإخوان صهيون حاول ويحاول الاستفادة من الحدث، فرفع مستوى الخطاب الأيديولوجي، وزعقت به منابرها ومنصاتها في المنفي التي عمدت إلى استهداف مصر إعلاميا، والأردن إرهابيا، دولتي خط التماس مع جيش الاحتلال، بغرض خلخلة قواها في المواجهة المحتملة في تنسيق مريب مع استخبارات دولة الاحتلال.
ما يعنينا وطنيا، تجفيف منابع الإرهاب الديني، ورفع منسوب الوعي الوطني، ومعركة الوعي ساحتها المساجد، وإذا ظلت ألاف المنابر هكذا خاوية، أخشي سيركبها الإخوان كما ركبوها أول مرة، وهذا جد خطير وجرس انذار قبل أن نندم على ما فات.
وفي الأخير ، أئمة بلا مساجد أعظم عند الله من مساجد بلا أئمة، وفي الحديث الصحيح: "وجعلت لي الأرض مسجدا"